الباب الثاني الإستقامة في الاصول
ـ
14 ـ التمسك
بكتاب الله
ـ 15 ـ اتباع سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـ 16 ـ الاجتهاد
ـ 17 ـ التزام
الجماعة
ـ 18 ـ عدم إطاعة
مخلوق في معصية الخالق
ـ 19 ـ تقدير الرخص
بقدرها
ـ 20 ـ التيسير للمسلمين
ـ 21 ـ عدم اتباع
الأغلبية المسيئة
ـ 22 ـ اجتناب
البدع
ـ 23 ـ مخالفة أهل
الباطل
ـ 24 ـ اتقان العمل
ـ 25 ـ الاستفادة من
الوقت
ـ 26 ـ دوام العمل
الصالح
ـ 27 ـ التسامح عند
الاختلاف
ـ 28 ـ الاستشارة
والاستخارة
ـ 14 ـ التمسك بكتاب الله
عن
أبي موسى الغافقي قال إن آخر ما عهد
إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أنه قال: ” عَليكُم بِكِتابِ
اللّه ، وسَتَرجِعونَ إلى قوم
يُحِبّون الحديثَ عنّي ، فمَن قال ما
لَم أقُل فلِيتَبَوّأ مَقعَدَهُ
مِنَ النارِ، وَمَن حَفِظَ عَنّي
شيئا فلِيُحَدّثهُ”ـ
(رواه
أحمد)
كان من آخر ما أوصى به رسول الله أصحابه التمسك بكتاب الله تعالى ففيه خبر الأمم السالفة وفيه التحذير من غوائل ما سيقع وفيه حكم ما بيننا وفيه الترغيب والترهيب وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق وفيه الأحكام لكل الأزمنة والأمكنة فهو كلام رب العالمين الذي يعلم ما يصلح للناس في دنياهم وأخراهم . فالقرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي وإليه يرجع المسلمون كلما أشكل عليهم أمر من أمور دنياهم أو أخراهم . والمؤمن ينظر إلى القرآن صاحبا ومؤنسا ، يقرأه على الدوام ويتفكر في عبره وأمثاله ويتعلم فقهه وأحكامه ويطبق أوامره ويجتنب نواهيه وهو باق كما أنزله الله على نبيه لأن الله تعالى تعهد بحفظه: ” إنّا نحنُ نَزَّلنا الذِكرَ وإنّا لَهُ لَحافِظونَ ” (1).ـ
إن من القرآن ما هو واضح المعنى لكل من يفهم اللغة العربية من عامة الناس وعلمائهم . فالمؤمن الذي يتكلم العربية مهما كان مستوى علمه يستطيع أن يفهم من آيات القرآن بعض أحكامها فيطيع الأوامر وينتهي عن النواهي . ومن الآيات ما يجب الرجوع فيه إلى التفاسير المعتمدة وإلى أولي العلم لفهم المعنى أو الأحكام المبنية على تلك الآيات . والمؤمن بالإضافة إلى ذلك يعتني بالقرآن ظاهريا كتطبيق قواعد التجويد عند تلاوته. ويزداد علما فيما يخدم فهم القرآن من علوم اللغة العربية وعلم القراآت . فالقرآن حبل الله الممدود بين الله وعباده ومن أحب الله بصدق ، أحب كتابه وإحترمه إحتراما عميقا يفوق بكثير إحترام أي كتاب آخر ، ثم تظهر آثار هذا الإحترام بشكل عملي واضح على أعماله وتصرفاته وأخلاقه ومعاملته ، وذلك ركن عظيم من أركان الإستقامة في المنهج الذي على المؤمن أن يتخذه ويسير عليه.
ـ 15 ـ إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ـ” كُل أمتي يَدخُلونَ الجَنّة إلاّ مَن أبى ” ، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: ” من أطاعَني دَخَل الجنّة ، ومن عصاني فَقَد أبى ” ـ
(رواه البخاري)
إتباع السنة الذي يشير إليه هذا الحديث ، ثابت بالقرآن: ” قُل إن كُنتُم تُحِبّون الله فاتّبعوني يُحببكُم اللّهُ ويغفِر لكُم ذُنوبَكُم ”،(2 ” ومَن يُشاقِق الرَسولَ من بعد ما تبيّن لهُ الهُدى ويَتّبِع غيرَ سبيلِ المؤمِنينَ نوَلّهِ ما تولّى ونُصلِهِ جَهَنّمَ وساءَت مصيرا ” ـ(3)ـ. فالسنة مفسرة لأحكام القرآن ، وتتضمن فروضا غير مبينة بالقرآن لا يمكن الأستغناء عنها ، ولا يجادل لتقليل أهميتها إلاّ منافق أو كافر. وعلى المسلم أن يتعلم السنة المطهرة لأنها تفصِّل ما ورد مجملا في القرآن وتبين التطبيق العملي للأحكام والأخلاق. فهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي.
والمسلم يهرع إلى رسول الله مستفتيا سنته كلما طرأ له أمر ذي بال إذ أن حياته المعنوية قائمة بين المسلمين متمثلة بكتب السنة . وعليه أن يرضى بعد ذلك بحكم رسول الله الوارد في سنته. وهو إن لم يفعل ذلك فهو بحاجة إلى تجديد إيمانه ، قال الله تعالى: ” فلا وربّكَ لا يُؤمِنون حتّى يُحَكِّموك فيما شَجَرَ بينَهُم ثُمّ لا يجدوا في أنفُسِهِم حَرَجا مِمّا قَضيتَ ويُسَلِّموا تَسليما ” ـ(4)ـ.
ويتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحكم سنة خلفائه من بعده ، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” عَليكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفاءِ الراشِدينَ المَهديينَ مِن بَعدي عَضّوا عَليها بالنواجِذِ ” (5) ، فما ورد من تفسير أو حكم أو قضاء عن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ، هو مفسر للسنة ومقدم على إجتهاد من جاء بعدهم ، إلاّ إذا تغيرت الظروف واحتاج المسلمون إلى إجتهاد جديد.
وعلى المسلم أن يتعلم الحديث ويحفظ ما تيسر منه ويعمل بما تعلَّم ويعلِّمه غيره ويعتبره دليل عمل تفصيلي بعد القرآن . وإذا سمع أو قرأ الأمر والنهي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فليس له أن يقَدِّم على ذلك رأيا لنفسه أو لأحد من البشر كائنا من كان ، إلاّ أن يعلم حديثا آخر يخصص الأمر أو أكثر إنطباقا على تلك الواقعة . وعلى هذا النهج سار الأئمة المجتهدون رضوان الله عليهم كافة ، فكلهم ورد عنهم أنه إن صح الحديث أخذوا به ولم يقدموا عليه رأيا لهم أو إجتهادا لبشر يخطئ ويصيب . لكن هناك حالات دقيقة من علل في بعض الأحاديث أو إنقطاع سند أو ضعف أو معنى خفي لا يدركه إلاّ المختصون من العلماء ، وهذا هو صلب الفقه. فإن اؤتي المرء قسطا من هذا العلم توصل بنفسه إلى المنهل الصافي وإلاّ أخذ عن الفقهاء ما قرروه من فهم.
ـ 16 ـ الإجتهاد
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: ” كيفَ تَقضي؟ ” قال أقضي بكتاب الله ، قال ” فإن لم يكُن في كِتابِ اللّه؟ ” قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: ” فإن لَم يَكُن في سُنّة رسول اللّه ” قال أجتهد رأيي ولا آلو ، قال: ” الحَمدُ للّه الذي وَفّقَ رسولَ رسولِ اللّهِ لما يُرضي رسولَهُ ”
(رواه الامام أحمد)
المؤمن قد سَلّم أموره كُلّها بيد الله فما هو إلا عبد ضعيف أمام عظمة الله الواحد الأحد ، فهو يتلقى التشريع من الله ورسوله ، ولا يفضل عليهما لا رأيا إستحسنه عقله ولا فكرة لاقت هوى في نفسه إبتغاء مصلحة دنيوية زائلة ما دامت لا تتفق مع أوامر الله غز وجل أو أوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم . أما إذا كان الامر غير وارد في الكتاب وفي السنة المطهرة بعد البحث والإستقصاء ممن إستكمل متطلبات الإجتهاد من علم وتقوى ، فباب الإجتهاد واسع. والفهم من الكتاب والسنة متفاوت بين العلماء ” وفوقَ كُلّ ذي عِلم عَليم ” (6) فالفهم الإجتهادي يحتاج إلى تقوى وصدق مع الله تعالى . ولا يظنن ظان أن هذا الحديث مقتصر على القضاء بين الناس أو المسائل العويصة في الفقه ، فكل مسلم يمارس في حياته اليومية أمورا تفاصيلها غير وارد في الكتاب أو السنة وهو يقرر فيها حسب رأيه ، وهو نوع من الإجتهاد وهو إجتهاد شرعي إن كان مستندا إلى الكتاب والسنة وهو مثاب عليه إن كانت نيته صادقة . فحينما تمر بالمسلم واقعة يحتاج فيها إلى قرار سواء كان ذلك في أمر من أمور الدين أو الدنيا فإنه يبحث سريعا بنفسه أو بسؤال العلماء الأتقياء هل في ذلك الأمر حكم في القرآن فإن لم يجد ففي السنة ، فإن لم يجد إجتهد رأيه بما آتاه الله تعالى من عقل وإستنباط بأفضل ما يستطيع قياسا على ما يعلم مما ورد في الكتاب والسنة ثم يتكل بعد ذلك على الله تعالى وينفذ ذلك.
لقد فصّل الفقهاء المجتهدون في أصول الفقه ووضعوا لهذه الأمة تراثا فقهيا تباهي به الأمم بحق. ولهذه ألأصول الثلاثة (الكتاب والسنة والإجتهاد) ترجع الأصول الأخرى ، رغم كونها تعتبر أحيانا أصولا مستقلة . فالقياس ما هو إلا نوع من الإجتهاد وعمل أهل المدينة (عند الإمام مالك) ما هو إلا سُنة (لقرب عهده من زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم)ـ ، والإجماع هو أعلى درجات الإجتهاد لأنه إجتهاد مجتهدي الأمة مجتمعين . وهكذا تجد أصول هذا الدين راسخة وواضحة في الوقت عينه ، وما على المسلمين سوى الأخذ من هذا المعين الصافي ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” تركتُكُم على المِحَجّة البيضاء ليلُها كنهارِها ، لا يضل عنا إلاّ زائغ ” (7).ـ
ـ 17 ـ إلتزام الجماعة
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني ، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ” نَعَم ” ، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير ، قال: ” نَعَم وفيه دَخَن ” ، قلتُ: وما دخنه؟ قال: ” قوم يَهدونَ بِغيرِ هَديي ، تعرِفُ وَتُنكِرُ ” ، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ” نَعَم ، دُعاة على أبواب جهنم ، مَن أجابَهُم إليها قذفوهُ فيها ” ، قل يا رسول الله صِفهُم لنا ، قال: ” هُم مِن جِلدَتِنا ويَتَكَلَّمون بألسِنَتِنا ” ، قلت: فما تأمُرني إن أدركني ذلك ، قال: ” تلزم جماعة المُسلِمين وإمامَهم ” ، قلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ، قال: ” فاعتزل تلك الفِرَق كُلّها ، ولو أن تَعَضّ بأصلِ شَجَرة حتى يُدرِكَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك ”
(رواه الثلاثة)
قال الله تعالى: ” وتَعاوَنوا عَلى البِرِّ والتَقوى ولا تعاوَنوا على الإثمِ والعُدوانِ ” (8) ولا بد للمسلم أن يتعاون مع غيره من المسلمين في أعمال الخير. أما المنفرد عن جماعة المسلمين حتى ولو كان على علم وتقوى ، فلا يستطيع أن يقوم لا بأمور دينه ولا بأمور دنياه كما يجب . فمثلا الصلاة جماعة أفضل بمرات كثيرة من صلاة المنفرد(9) ، ومن الصلاة ما لا يؤدى إلاّ جماعة ، كصلاة الجمعة . وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” يَدُ اللّه على الجَماعةِ وَإنّما تأكُلُ الذئبُ من الغَنَمِ القاصية ” (10) ، فمن إبتعد عن جماعة المسلمين كان فريسة للأفكار الشاذة أو الغلوّ في الدين أو الضلال.
هذا الحديث الشريف لا يكتفي بوصف الداء الذي تنبأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوقوعه بين المسلمين ووقع فعلا بعد وفاته بأزمنة طويلة ، بل يصف الدواء وما على المؤمن أن يفعله في تلك الظروف. فإعتزال الفرق المخالفة لما أنزل الله فريضة حتى ولو إتبع تلك الفرق أكثر الناس ، فليس الحقّ دائما مع الكثرة ، قال الله تعالى: ” وما أكثر الناس ولو حَرَصتَ بِمُؤمنينَ ” (11). والعلاج في حالة عدم وجود جماعة للمسلمين ، وهي حالة من الحالات الشاذة ، هو ليس متابعة الأكثرية الخاطئة ، بل الإعتزال لتلك الفرق الضالّة جميعها . وقد يقول قائل وكيف للإنسان أن يعيش منفردا ومن أين سيكتسب قوته؟ والجواب هو أن المسلم لم يؤمر بمقاطعة الناس ولا المعيشة في الصحاري والقفار ، ولكنه إعتزال الناس في كل ما يسخط الله تعالى ومصاحبتهم في أمور معيشته ودنياه مصاحبة لا تؤثر على أمور دينه. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضوان الله عليهم عاشوا أكثر من عشر سنين في مكة قبل الهجرة وهم معتزلون للكفر وأهله رغم أن بعضهم كان يأكل ويشرب في بيتٍ كل من حولهم فيه من الكافرين بل والمغالين في كفرهم وإيذائهم للمسلمين.
وثمة أمر آخر ، هو إجماع الأمة ، فالأمة الإسلامية لا تجتمع إلاّ على الخير والصلاح(12) ، ولذلك فكلما وجد المسلم الأمة قد إجتمعت على أمر من أمور الدين أو الدنيا فعليه التمسكَ به ، ويتمثل إجماع الأمة بصفوة علمائها أوالصالحين من رؤسائها وأمرائها . قال الله تعالى : ” يا أيّها الذين آمَنوا أطيعوا اللّهَ وأطيعوا الرَسولَ وأولي الأمر منكُم ” (13) ، وأولي الأمر هم العلماء والأمراء وإجماع العلماء قد حصل في أمور فقهية وإجتهادية عديدة في السابق فكيف بهم اليوم وقد تقدمت وسائل الإتصال كثيرا . وقد توعد الله من يخالف جماعة المسلمين بقوله تعالى: ” ومَن يشاقِق الرَسولَ مِن بَعدِ ما تَبيَّنَ لَهُ الهُدى ويَتّبِع غيرَ سَبيلِ المُؤمِنين نُوَلِّهِ ما توَلّى ونُصلِهِ جَهَنَّمَ وساءَت مَصيرا ” (14).ـ
ـ 18 ـ عدم إطاعة مخلوق في معصية الخالق
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” لا طاعةَ لِمَخلوق في مَعصِيَةِ اللّهِ تباركَ وتعالى ”
(رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد واللفظ له)
أعطى
الله تعالى المثال الواضح والواقعي
لعدم إطاعة أوامر الناس إن كانت
مخالفة لأوامر الله تعالى ، حتى ولو
كان الآمر أقرب الناس ، كالوالدين: ”
وإن جاهداكَ على أن تُشرِكَ بي ما ليس
لَكَ بِهِ عِلم فلا تُطِعهُما ،
وصاحِبهُما في الدُنيا معروفا ”(15).ـ
وما قصة الصحابي الجليل مصعب بن عمير
رضي الله عنه مع أمه ببعيدة ، حيث
حلفت أن لا تأكل أو تشرب حتى يترك
دينه ، فقال لها قولة الحق. فالمؤمن
يؤدي : لو كانت لك مائة نفس ونفس فخرجت
واحدة بعد الأخرى ، ما تركت ذلك حقوق
الناس مؤمنهم وكافرهم ويداري
سفهاءهم لكنه لا يطيعهم فيما ليس لله
فيه رضا ولا يداهن على حساب دينه.
ويستثنى من ذلك الإكراه الذي هو
موضوع الحديث الآتي.
وفي كتاب الله محاورة بين أهل جهنم ، السادة المطاعون والأتباع: ” قالَ ادخُلوا في أمم قَد خَلَت مِن قَبلِكُم مِن الجِنّ والإنسِ في النّارِ كُلَّما دَخَلَت أُمة لَعَنَت أختَها حَتّى إذا ادّارَكوا فيها جَميعا قالَت أُخراهُم لأولاهُم رَبَّنا هؤلاء أضَلّونا فآتِهِم عَذابا ضِعفا مِن النّارِ ، قال لِكُل ضِعف ولكن لا تعلمون . وقالَت أولاهُم لأخراهُم فَما كانَ لَكُم عَلينا مِن فَضل فذوقوا العَذابَ بِما كُنتُم تَكسِبونَ ” ـ(16).ـ
وعلى هذا فإن الطريق إلى رضوان الله واضحة جلية هي في طاعة أوامره لأنه هو الإله. أما البشر الذين يأمرون وينهون ، حتى لو تجبروا وطغوا وأخافوا الناس وأرهبوهم فهم زائلون ولا طاعة لهم إن كانت أوامرهم مخالفة لأوامر الله تعالى.
ـ 19 ـ تقدير الرخص بقدرها
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” إن اللّهَ تَجاوَزَ عَن أمّتي الخَطأُ والنِسيانُ وما إستُكرِهوا عليه ” .
(رواه إبن ماجه والطبراني عن إبن عباس وثوبان)
المسلم
يدعو ربه: ” ربّنا لا تؤاخِذنا إن
نَسينا أو أخطأنا ” (17) فيستجيب
الله تعالى للصادقين في دعائهم . فقد
جبل إبن آدم على النسيان: ” ولَقد
عَهِدنا إلى آدمَ مِن قَبلُ فنَسيَ
ولَم نَجِد لهُ عَزما ” (18). أما
الإصرار على الخطإ فهو ذنب مستقل لا
علاقة له بالخطا . قال الله تعالى في
مدح المؤمنين: ” إنّ الّذينَ
اتَّقوا إذا مسَّهُم طائِف من
الشيطانِ تَذَكّروا فإذا هُم
مبصِرون ” ـ(19)ـ
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ”
كُلّ إبن آدمَ خطّاء ، وَخيرُ
الخَطّائين التوابونَ ” (.2).ـ
أما الإكراه ، فيقدر بحسب الظروف. قال الله تعالى: ” إلاّ مَن أُكرِهَ وقَلبُهُ مُطمَئِن بالإيمانِ ” (21). وقد يتوسّع بعض المسلمين في تعدّي حدود ما يدخل تحت حكم الإكراه ، فتراهم يقولون عند إرتكاب بعض الآثام أنهم مجبرون في حين أنه ليس هناك من أجبرهم حقيقة . إن من الإكراه ما هو بدني وما هو معنوي ، فحد الإكراه البدني يعتمد على قابلية المرء البدنية لتحمل ذلك . قيل أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان نحيف البنية قصير القامة جدا ، فكان يقول لو أكرهني شخص بضربي سوطين أو أقول ما يريد مني قوله ، لقلت مثل ما أراد. أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان قوي البنية يخافه الشجعان ، لذلك وبخلاف معظم الصحابة الذين هاجروا من مكة إلى المدينة سرا ، وقف عمر بعد أن طاف حول الكعبة سبعا وعلى ملأ من سادة قريش قال: إنني مهاجر عند الصباح ، فمن أراد أن تثكله أمه فليلحق بي ببطن وادي كذا . فالإكراه الذي إضطر المهاجرين إلى التخفي والهجرة سرا لم يكن إكراها كافيا لعمر بحيث يتبع الأسلوب نفسه. وأساس التقية هو هذا . قال الله تعالى: ” إلاّ أن تتّقوا منهُم تُقاة ” (22) فإتقاء أذى المتجبرين والطاغين خوفا من بطشهم جائز لضعفاء المسلمين كرخصة ، لكن التوسع في التقية بحيث يعيش المرء بوجهين ، وجه مع من يأمنهم ، ووجه مع من يخافهم ولو خوفا بسيطا هو إستخدام للرخصة الخاصة في غير موضعها وقد يؤدي ذلك إلى إقتراب المسلم من تصرف المنافقين والعياذ بالله. ومثال الإكراه المعنوي التعذيب النفسي والإهانات على ملأ من الناس ، وهي مختلفة الوطأة بين الناس بحسب أحوالهم أيضا . أما الأخذ بالعزيمة وعدم الخضوع للإكراه مهما كانت النتائج من أذى دنيوي فهو دأب المجاهدين الصادقين السابقين بالخيرات . قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” سيد الشُهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ” (23).ـ
ولقد أجمل الإمام الشافعي النتائج المترتبة على الإكراه بقاعدة فقهية في غاية الإيجاز وتنطبق في حالات الإكراه والمشقة والمرض والضعف وغيرها ، وهي: -كلما ضاق الأمر اتسع- ، فكلما إستجدت ظروف صعبة طارئة أو جديدة تستدعي معالجة على غير العادة ، كلما كانت الشريعة سمحة بحيث تزداد الحدود التي بإمكان المسلم أن يتحرك فيها ويكون معذورا على ذلك ، وينطبق هذا الأمر على الإكراه وعلى المشاق والظروف الطارئة الأخرى . ويستطيع إدراك ذلك من أوتي نصيبا من فهم كتاب الله وسنة رسوله وحظا من الفقه وعند ذلك يمكن أن يفتي لغيره من الناس.
ـ 20 ـ التيسير للمسلمين
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” يَسِّروا ولا تُعَسِّروا وبَشِّروا ولا تنَفّروا ”
(رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي)
الدين يسر ، قال تعالى : ” وما جَعَلَ عَليكُم في الدّين من حَرَج ” (24) ، ولذلك شرع الله بجانب الأحكام الأصلية ، أحكاما مخففة للتيسير في الظروف الطارئة ، كقصر الصلاة في السفر والإفطار في رمضان للمريض والمسافر والتيمم لمن لم يجد الماء ، وغير ذلك.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب التيسير ، (وما خُيِّر بين أمرين إلاّ إختار أيسَرَهُما ما لم يكن إثما)(25). و كان سهلا إذا باع ، سهلا إذا إشترى ، سهلا إذا قضى ، سهلا إذا إقتضى (26). وأمرهُ صلى الله عليه أمته بالتيسير في هذا الحديث ، وسيلة تربوية فائقة في هذا الدين إختطّت في القرآن الكريم في منهج يقضي بتدرج الأحكام . وهذا الأسلوب هو ما يجب على المسلم إتباعه في تربية الأطفال ، حيث يجب التيسير ، كلما كان ذلك ممكنا . والأسلوب نفسه يجب إتباعه مع قريبي العهد بالإسلام أو أصحاب الأعذار والحرف الشاقة . فالرخصة ما شُرِعت إلا رأفة من الله بعباده ، فليس لله حاجة في تحمل المرء مشقة لا يطيقها فليس هناك عبادة مقصودها المشقة والحرج . إلاّ أن ذلك لا يعني إتباع الرخص في محلِّها وغير محلها . فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم بالليل حتى تورمت قدماه ، ولو إعتمد على إخبار الله له بغفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر كعذر لترك قيام الليل لما قامه. وهنا يخطئ بعض الناس في الإستفسار عن مسألة معينة في المذاهب الفقهية المختلفة لكي يأخذوا بأيسرها على الدوام معتبرين أن ذلك هو المقصود من الأمر بالتيسير ، متناسين الظروف المحيطة بتلك الرخصة والحدود المسموح بها وعلاقتها مع غيرها من الأحكام . لذلك فالتيسير ليس معناه التحايل على الأحكام باتباع البدائل السهلة على الدوام ، وإنما أعتبار الحكم المرخص به حكما يجوز الأخذ به إن كان هناك عسر أو مشقة أو ضيق في الوقت أو إكراه أو ما شابه ذلك.
من الأمثلة الواضحة على التيسير أن لايطيل الإمام القراءة إن كان بين المصلين شيوخ أو مرضى أو أصحاب حاجات . ولكن له أن يطيل صلاته في جوف الليل . فالصلاة بقدر تحمل أضعف الناس بين الجماعة هي الصلاة الأفضل . وكذلك تتحدد سرعة مشي الركب بسرعة أضعف القوم ، لذلك قيل قائد الركب أضعفهم.
إن خير الأمور أوسطها . فالأخذ بالعزيمة لمن لا يستطيعها يولد نفورا وكرها للدين! والأخذ بالرخص لمن أوتي قوة وقابلية يولد فتورا وضعفا في الأيمان . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتفرس في وجه السائل فيجيبه أو ينصحه بحسب طاقته ، فيجيب الضعيف غير ما يجيب القوي ، ويجيب حديث العهد بالإسلام غير ما يجيب السابقين الأولين . إن للشطط والغلو مظاهر عديدة ، منها التناوب بين فترات الفتور في العبادة والغلو فيها فترى المرء تاركا للصلاة مسرفا على نفسه حتى إذا جاء رمضان لزم المسجد وهجر الناس أو عبد الله بغير ما فرض الله تعالى أو سن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كصيام زكريا أو صلاة مائة ركعة في يوم مخصوص ، فإذا ما خرج رمضان أو ملّ من العبادة التي فرضها على نفسه عاد لسابق عهده ، فترك فرائض الله وسنن رسوله وتلك هي الغواية.
إن في العبّاد المتعصبين عن غير علم من أفراد الأمة شبه بالنصارى الذين ابتدعوا الرهبانية التى لم يكتبها الله عليهم ، أما ذوي العلم غير المتقين من هذه الأمة ففيهم شبه باليهود ألذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وضرب الله مثلهم: ” كمثل الحمار يحمل أسفارا ” (27). والمؤمن يدعو الله تعالى أن لا يكون من هؤلاء ولا من هؤلاء: ” إهدِنا الصِراطَ المُستَقيمَ صراطَ الّذينَ أنعَمتَ عَليهِم غيرِ المَغضوبِ عَليهِم ولا الضّالينَ ” (28). وفي السنة العديد من الأمثلة على الحث على تخير أوسط الأمور والنهي عن التعصب والغلو. فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ” هلَكَ المُتَنَطِّعونَ ” (29) قالها ثلاثا ، والمتنطعون هم المتشددون في غير موضع التشديد.
ـ 21 ـ عدم إتباع الأغلبية المسيئة
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” لا تَكونوا إمَّعَة تَقولوا إن أحسَنَ النَّاسُ أحسَنّا وإن ظَلَموا ظَلَمنا ولكن وَطِّنوا أنفُسَكُم إن أحسَنَ النّاسُ أن تُحسِنوا وإن أساؤوا أن لا تَظلِموا ”
(رواه الترمذي وقال حديث حسن)
الإمعّة هو الذي لا رأي له فهو يتابع الأكثرية أو كل أحد سواه والمؤمن قوي في إيمانه ، فهو يستحي من الله لكن ليس من الحياء متابعة الناس في الشر. ويعتمد ذلك على عمق الإيمان ، فالمؤمن القوي الإيمان لا يتابع على الباطل أحدا ولو خالف الناس كلهم وحده ، أما من كان أضعف من ذلك فربما جامل الناس ، وعليه عند ذلك أن يتهم إيمانه ، ويستغفر ربه ويتوب إليه.
إن المؤمن قائد في طريق الحق وهو متبوع بالحق غير تابع للباطل . وطريق الإستقامة يحتم عليه أن يميز بين الحق والباطل ، ويفرض شخصيته التي قوامها العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويخالف من خالفهما ولا يخاف في الله لومة لائم . فكم من سنة أميتت أحياها الله على يد فرد مسلم واحد بإصراره على مخالفة كل من كان حوله. وكم من عمل صالح مستمر الفائدة كان أساسه ثبات رجل واحد. لا شك بأن مخالفة الغالبية قد تسبب للمرء صعوبات قد لا يلقاها غيره ، لكن ذلك من الجهاد إن كانت النية خالصة لله ، لا لحب الظهور جريا على قاعدة -خالف تُعرف-. فمن خالف لكي يعرف فهو مرائي كما سيمر بنا . وعلى المؤمن أن يتحمل ما يحصل له من أذى في سبيل الله ، إلاّ أن عليه أن يعرف قدر نفسه فلا يغالي فيشتَط في المخالفة في أمور ليست ذات بال بحيث يرتكب آثاما أكبر من الطاعة التي قام بها ، فكل ما زاد عن حدّه إنقلب إلى ضده . أما في الأمور ذات العلاقة بالمبادئ الأساسية فعلى المؤمن أن يكون على أشد الصلابة ، ولتكن له في رسول الله أسوة حسنة حين ساومه الكفار على التخلي عن دعوته فقال قولته المشهورة لعمه أبي طالب: ” واللّه يا عَمّ ، لو وضعوا الشَمسَ في يَميني والقَمرَ في يَساري على أن أترُك هذا الأمرَ ما تَرَكتُهُ حتى يُظهِرَهُ اللّهُ أو أهلِكَ دونَهُ ” (30).ـ
ـ 22 ـ إجتناب البدع
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ منهُ فهو ردٌ ” .
(متفق عليه)
قال الله تعالى: ” اليومَ أكمَلتُ لَكُم دينَكُم وأتمَمتُ عَليكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُم الإسلامَ دينا ” (31). وهكذا فإن دين الله تعالى قد إكتمل قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ليس بحاجة إلى إضافة أو تعديل لأن الإضافة تحتاجها المبادئ الناقصة من صنع بني آدم . أما دين الله فقد إحتوى ما يحتاجه بنو آدم إلى يوم القيامة.
لقد أشكل هذا الحديث وغيره من الأحاديث حول البدع على بعض العلماء ، حيث وجدوا أن الأمم الأخرى لديها علوم لم يكن المسلمون على معرفة بها ، ولئلا يدخل إقتباس العلوم تحت طائلة النهي عن الإحداث في الدين ، قالوا إن البدع تدخل في العبادات فقط. أما في غير العبادات فالإحداث جائز. والحق أن الدين (أو ما ورد في هذا الحديث من لفظة: أمرنا هذا) يشمل العبادات والعادات والمعاملات والعقائد وكل شؤون الحياة . فالمسلم يدعو ربه في كل صلاة: ” إنّ صلاتي ونُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي للّهِ رَبّ العالمين ” ولا فرق بين الصلاة وبين اكتساب الرزق والعمل أو الراحة ، فما دام كل ذلك من الحياة فهو لله. أما إقتباس العلوم من الأمم الأخرى فهو ليس من ألإحداث في الدين بل هو من الأمور التي حث عليها الشرع وإعتبرها من فروض الكفايات . وقد أوضح ذلك بعض العلماء بتقسيم الأمور المحدثة إلى أقسام متباينة ، فمن ألأمور المستجدة ما هو فرض ومنها ما هو مستحب ومنها ما هو جائز ومنها ما هو مكروه ومنها ما هو حرام(32). والبدع المشار إليها هنا بلفظ الإحداث في الدين ما ليس منه: ما يقع تحت المكروه أو الحرام كتقليد الأجانب في ما ورد الشرع بخلافه وإستحداث تقاليد جديدة مخالفة للشرع مستندة إلى أسس عصبية أو عنصرية أو طائفية ما أنزل الله بها من سلطان.
إن إستقراء الأوامر التي وردت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تعطي الفقيه بل وأحيانا المؤمن التقي الذي لديه قسط من العلم ، المقدرة على التمييز بين ما يتفق مع الدين وما يخالفه من الأمور المحدثة وذلك في مختلف جوانب الحياة من معاملات وعادات . أما حينما يتعلق الأمر بجانب العبادات ، فمن العبادات ما هو توقيفي بدقائقه. فليس لأحد أن يبتدع صلاة سادسة في اليوم والليلة ، وليس له أن يزيد عليها ركعة واحدة . لكن باب التطوع والنوافل في العبادات واسع أيضا ، وللمرء أن يختار ضمن الحدود المسموح بها شرط عدم الغلو أو التقصير أو تقليد غير المسلمين في كل ذلك . وهكذا يصبح حديث النهي عن البدع هذا وغيره مساعدا للمسلم على المزيد من البحث في خصائص هذا الدين ضمن مفهوم -في أمرنا هذا- وليس عاملا للجمود على النصوص الحرفية وعدم الأخذ من صالح ما يفرزه تقدم الأمم الأخرى ، بشرط واحد فقط هو عرض كل جديد على الكتاب والسنة بعقل مفتوح ، فإن اتفق معهما أخذه وإن خالفهما طرحه عرض الحائط.
والبدع عدو لدود للسنة ، فكلما انتشرت بدعة أميتت سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن كتاب الله وسنة رسوله شاملان لكل جوانب الحياة . فلا تظهر بدعة مخالفة لهما إلاّ وينقص من تطبيق السنة ما يقابلها . لذلك فمحاربة البدع هو إحياء للسنة ، وكذلك فإن نشر السنة هو محاربة للبدع.
ـ 23 ـ مخالفة أهل الباطل
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” خالفوا المشركينَ أحفوا الشواربَ وأوفروا اللّحى ”
(رواه البيهقي)(33)
إن دين الله الحق دين كامل ، فهو ليس بحاجة إلى الأضافة . والأمة تستمد تعاليم دينها من كتاب الله وهدي نبيه عليه وعلى آله الصلاة والسلام . وهي أمة مستقلة تعتز بشخصيتها وإستقلالها ولا ترضى أن تذوب في أهواء غيرها من الأمم . لذلك فلا يرضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يكون المسلمون تبعا لغيرهم يقلدونهم في كل صغيرة وكبيرة . وبناء على هذا سنّ مخالفتهم في عاداتهم ، وإحتفالاتهم و مظهرهم وعباداتهم . فحين قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء. ولما علم أن صيامهم هو في ذكرى نجاة موسى عليه السلام من فرعون ، سن صيام عاشوراء ، وقال: ” أنا أحق بِموسى منكُم ” (34) لكنه سنّ صيام يوم قبله أو يوم بعده. مخالفة لهم وتميزا عليهم ، وبذلك يكون هذا الحديث مكملا ومفسرا لحديث النهي عن البدع الذي سبق. وقد قص القرآن الكريم في عشرات الآيات الأفعال السيئة لبني إسرائيل محذرا من فعل ما يشابهها من قبل هذه الأمة.
والحديث يشير في شقه الثاني إلى مثال واحد على مخالفة المشركين ، ألا وهو إعفاء اللحى وإحفاء الشوارب (أي تحديد حافتها بحيث لا يتدلى منها شيء على الشفة العليا). وسنة مخالفة المشركين سنة عامة بمخالفة كل الفرق والمذاهب المخالفة للإسلام وأهل البدع والأفكار المنحرفة والضالة ، للتمايز عنهم ووضع حد فاصل بين المؤمنين الصالحين وبينهم لئلا يلتبس الحق بالباطل على من ليس لديه علم واسع من عامة الناس.أما إذا كان غير المسلمين على حق في أمر ما أو كان لديهم من العلم والمعرفة ما نحتاج فالإقتباس مطلوب شرعا دون أدنى حرج وليس أدل على ذلك من إستعمال النقود الرومانية والفارسية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لحين سك النقود الإسلامية في زمن عبد الملك بن مروان . ولم يجد أحد منهم ضيرا في ذلك ، وحينما سُكَّت النقود طبعت بالطابع الإسلامي المتميز وبذلك تمت مخالفة نهج الكفار من الفرس والروم.
ـ 24 ـ إتقان العمل
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” إن اللّه يُحبُّ إذا عَمِلَ أحَدَكُم عملا أن يُتقِنَهُ ”
(رواه البيهقي في شعب الإيمان)
إتقان العمل هو عبادة مستقلة عن العمل . فأنت تعمل العمل من أمور الأخرة أو الدنيا مما ليس فيه معصية لله تعالى بنية صالحة فتثاب على ذلك لأن ذلك عبادة . فإن أتيت بذلك العمل على أكمل وجه كان ذلك عملا إضافيا له أجره المستقل ، وهو ما يحبه الله تعالى . فقد خلق الله تعالى ” الإنسان في أحسن تقويم ” (35) وهو ” الذي أحسنَ كل شيء خَلَقَهُ ” (36)ـ. وكذلك يريد لعباده إتقان الأعمال.
إن المسلمين اليوم كثيرا ما يعملون العمل فلا يتقنونه ، وهذا هو أحد أسباب تأخرهم ، في الوقت الذي أخذت الأمم الأخرى باتقان العمل الدنيوي فتقدمت . وإتقان العمل هو غير الحرص على الدنيا الذي نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسسلم عنه في أحاديث أخرى(37). فالمؤمن يتقن العمل إبتغاء وجه الله وهو يعيش في الدنيا وقد أفرغ قلبه من التعلق بها وبمباهجها والحرص عليها . ومن أتقن العمل لقي الجزاء ، وأقل الجزاء هو الجزاء الدنيوي.
فالمؤمن إذا عمل عملا أتقنه لأن الله يحب ذلك ، فهو يُحَضِّرُ كل مستلزماته ويبحث عن مقومات النجاح ويخطط لأكمالها ويتعاون مع غيره في سبيل ذلك ، ويفرغ جهده كله في إنجاح العمل ، وأثناء كل ذلك يتكل على الله تعالى ويدعوه بالتوفيق والسداد ، وهو لا ينتظر من ذلك جزاءً دنيويا لأن نتيجة العمل قد تظهر في حياته وربما بعد مماته ، وهكذا فإن إتقان المسلم للعمل هو عبادة إضافية يرجو ثوابها من الله تعالى.
ـ 25 ـ الإستفادة من الوقت
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” إغتَنِم خَمسا قبلَ خَمسٍ: حياتَكَ قَبلَ موتِكَ وصِحَتَكَ قَبلَ سَقَمِك وفَراغَكَ قَبلَ شُغلِك وشَبابَك قَبل هَرَمِك وغِناكَ قبلَ فَقرِك ”
(رواه الحاكم والبيهقي)
الحياة فرص ، وما ذهب منها فلن يعود ، لذلك على الإنسان أن يغتنمها قبل فوات الأوان . ويجمل هذا الحديث الفرص التي على المرء أن يغتنمها قبل فوات الأوان . فإغتنام الحياة قبل الموت يكون بالعمل للآخرة طيلة فترة الحياة وخاصة بعمل ما يبقى أثره بعد الموت من أعمال صالحة وإغتنام الصحة في الأعمال الصالحة قبل أن يمرض الإنسان فلا يستطيع أداء كثير من الواجبات . والفراغ قبل أن يشغل المرء بأمور لم يكن يتوقعها ، وإغتنام فترة الشباب للقيام بالأعمال الصالحة التي تحتاج قوة بدنية لا يستطيع أن يقوم بها الشيخ الهرم ، وللحياة أحوال متباينة من عسر ويسر ، وغنى وفقر فالكيس الغني مثلا من إغتنم فترة الغنى بالإنفاق والصدقات وليس بإنفاق المال على الملذات الزائلة . والشاب المسلم يغتنم فترة شبابه في طاعة الله والمسلم المعافى يغتنم صحته في عمل الخير لأنه لا يعلم متى يأتيه المرض.
في هذا الحديث يعلِّم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين قيمة الوقت التي قلت عند غالبيتهم اليوم ، بينما يستغل غيرهم أوقاتهم في حدود ما يؤمنون به من فلسفات وعقائد من وضع بني آدم . أليس الأحرى بالمسلمين أن يغتنموا كل ساعة بل كل لحظة لما فيه خيرهم في دنياهم وأخراهم؟
قال الله تعالى: ” وما خَلَقتُ الجِنّ والإنسَ إلاّ لِيَعبُدونِ ” (38) فما خلق الله الناس للّهوِ واللعب ولا للغناء والطرب . وقد أمر الله تعالى رسوله بإستمرار العبادة حتى الموت فقال عزوجل: ” واعبُد رَبّكَ حَتّى يَأتيَكَ اليَقين ” (39).ـ
على المرء أن يعلم بأن الواجبات أكثر من الأوقات ، لذلك فلا وقت هناك كي يضيعه في الترهات ، ولو أحصى المرء ما عليه من واجبات تجاه ربه وتجاه مجتمعه وتجاه أهل بيته وأقربائه بل وتجاه نفسه في دنياه وآخرته ، لما فرط في لحظة واحدة في عمل غير مجد من لهو ولعب . وقد يظن البعض أن التمسك بذلك يضفي على الحياة جفافا وصرامة وتعقيدا . وهذا غير صحيح ، فليس المقصود بإستغلال الوقت عدم تخصيص وقت للراحة والمزاح الذي لا يدخله الكذب ولا الترويح عن النفوس ، فكل ذلك من العبادة إن أخلصت النية ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمزح ولا يقول إلاّ الحق(40) وقد مر بنا تحت الحديث (1) قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: روحوا القلوب فإنها إذا كرهت عميت ، وما ساعة الراحة إلاّ ساعة عون للنفس على العبادة فهي ضرورية كضرورة النوم لجسم الإنسان.
ـ 26 ـ دوام العمل الصالح
عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” أحَبّ الأعمالِ إلى اللّه أدومُها وإن قَلّ ”
(متفق عليه)
إعتاد بعض الناس على كثرة العبادة في رمضان من صيام نهاره وكثرة صلوات النوافل كالتراويح وغيرها ، فإذا إنقضى رمضان ترك العبادة وربما حتى الفريضة ، ويعلل ذلك بكثرة الأحاديث التي تمتدح العبادات في رمضان وأن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وهذا حق ، لكن دوام العمل المفروض أفضل من ذلك ، فقد فرض الله تعالى الصلاة وجعلها بأوقات محددة ، ” إن الصَلاةَ كانَت على المُؤمنينَ كِتابا موقوتا ” (41). وفي دوام ذكر الله تعالى خير كثير ، وبالخلق الحسن وهو من الأعمال الدائمة يبلغ المرء درجة العبد الصائم القائم . وفي حديث الحال المرتحل الذي يقرأ القرآن على الدوام(42)ـ إشارة إلى فضل العمل المستمر على المتقطع حتى وإن كان العمل المتقطع أكثر من العمل المستمر ، فالله سبحانه وتعالى يبارك بالعمل المستمر ويرفع من مكان صاحبه لأنه تعالى يحب دوام العمل الصالح. فالمؤمن شخص سوي دائم العمل غير متذبذب بين الإفراط والتفريط ويتبع في حياته منهجا واضحا على وتيرة واحدة متسقة يكمل بعضها بعضا . فالعمل القليل بالإستمرار يكمل بعضه بعضا فيتكون العمل الكثير ، وعند ذلك يبارك الله فيه فتظهر فوائده. أما العمل المتقطع فربما تضمحل آثاره بعد فترة فإذا ما عاد المرء اليه إحتاج وقتا إضافيا لكي يعود إلى المستوى الذي ترك العمل عنده. فقراءة جزء من القرآن كل يوم أفضل من القراءة سبعة أجزاء في يوم واحد وتركها ستة أيام ، وقس على ذلك.
ـ 27 ـ التسامح عند الإختلاف
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم الأحزاب: ” لا يُصَلّيَنّ أحَد إلاّ في بَني قُريظة ” فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها ، وقال بعضهم: بل نصلي لم يُرد منا ذلك . فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعَنّف واحدا منهم .
(رواه الشيخان)
الإختلاف متوقع بين بني آدم طالما إختلف الناس في قابلياتهم على الفهم . قال الله تعالى: ” ولا يَزالونَ مُختَلِفينَ إلاّ من رَحِمَ رَبّك ولذلك خَلَقَهُم ” (43). لكن الله تعالى دعى المسلمين إلى الإعتصام بحبل الله وعدم التفرق في الدين : ” ولا تكونوا كالّذينَ تَفَرّقوا وإختَلَفوا من بعد ما جاءَهُم البيّنات ” (44). فالله سبحانه وتعالى يريد ان يكون المسلمون يدا واحدة غير مختلفين يسامح بعضهم بعضا غير متعصبين لرأي شخصي أو إجتهاد ولا تبني آرائهم على تعصب لجنس أو نزعة قبلية أو عنصرية أو طائفية . وهكذا فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما عرف بإختلاف صحابته في فهمهم لأمر أمرهم به هو ، رضي عن إجتهاد كلا الفريقين لأن كليهما إستند في فعله على أمر رسول الله ولم يستند لا إلى رأي رجل يخطئ ويصيب ولا إلى هوى نفسه أو مصلحة شخصية . كما أن كُلا من الفريقين رضي من الفريق الآخر بفعله فلم يخاصم أحدهما الآخر أو يجبره على إتباع رأيه فيحدث الشقاق وتباعد القلوب . وهكذا فإن الأختلاف في الإجتهاد مقبول . كما يشير الحديث إلى حرص الصحابة رضوان الله عليهم على معرفة الحق بإحتكامهم إلى أولي العلم منهم (وكان في حالتهم هذه هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه) الذي علمهم بأن هذا القدر من الإختلاف أمر متوقع ولا بد منه وهو مقبول وعليهم أن يقبلوه.
يعود إختلاف الفقهاء إلى عدد من الأسباب: أحدها هو إختلاف أفهام الناس من نص معين (آية من كتاب الله أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) كما كانت الحالة في إختلاف الصحابة في هذا الحديث ، وقد يكون سبب الإختلاف هو عدم ثبوت نص عند بعض بينما ثبت عند آخرين . وقد يكون الإختلاف سببه إختلاف الأقاليم والمواقع وأعراف الناس والتي على الفقيه أن يراعيها . كما أن الإختلاف يكون أحيانا نتيجة أخذ الأول بالرخصة والثاني بالعزيمة . وكل هذه الأسباب مقبولة وليست مدعاة للتناحر والتعصب والفِرقة . وما ظهرت الطائفية بين المسلمين إلا حينما تعصب أتباع المذاهب إلى فتاوى وتفاصيل وتركوا إتفاقهم على أصول الدين الرئيسة . وهكذا فالمؤمنون الصادقون يتعاونون فيما إتفقوا عليه ويعذر بعضهم بعضا فيما إختلفوا فيه.
إن إختلاف الصحابة المذكور في الحديث كان بالحقيقة نتيجة أخذ الفريق الأول بالنص الحرفي لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والفريق الثاني بالمفهوم العام حيث فهموا من النص أن المقصود الأصلي هو الإسراع في السير للوصول قبل نهاية وقت العصر وليس المقصود هو تأخير وقت الصلاة . ومثل هذا الإختلاف كثير الوقوع في فهم أحكام تفصيلية من آيات أو أحاديث صحيحة . وقد تكون أحيانا حجة التمسك بالنص أقوى أو التمسك بالمفهوم في حالات أخرى أقوى ، إلاّ أنه يجب على الدوام عدم الشذوذ والخروج في التأويل عن حد ما تحتمله اللغة العربية عند الإستنباط من النص وفي الوقت نفسه عدم التمسك بحرفية جامدة بعيدة عن روح الدين وأصوله السمحة.
لقد إختلف الفقهاء بعد جيل الصحابة فتكونت المدارس الفقهية ، ونشأت المذاهب المختلفة ، وكان أئمة تلك المذاهب على درجة عالية من التقوى والتسامح ، لكن بعض المتأخرين تعصبوا لأحد المذاهب وغالوا في إثبات صحة كل ما ورد في ذلك المذهب وخطأ كل ما ورد فيما سواه وتقديس كلام أئمة المذاهب كتقديس حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فظهرت الفرقة والتناحرات المذهبية التي تزدهر دائما في أوقات التدهور والإنحطاط. لقد كانت الفتن والخلافات المذهبية تعج بالعالم الإسلامي أيام الغزو الصليبي واحتلالهم القدس ، حتى أن الدماء سالت في بغداد في خلاف أتباع المذهبين الشافعي والحنبلي بسبب قنوت بعضهم في صلاة الفجر وعدم قنوت الآخرين . وما طرد الصليبيون إلاّ بعد يقظة المسلمين ونبذهم الخلاف والتعصب.
إن على المؤمن أن لا يتعصب لمذهب معين ، وله أن يتبع أحدها ، فذلك من اليسر في الدين ، لكن عليه أن لا يعتقد أن المذهب الآخر هو ضلال وخروج عن الدين ، وله أن يأخذ برأي المذهب الآخر إن عرف دليل الطرفين واقتنع بدليل أحدهما . كما أن للمؤمن أن يأخذ الحكم مباشرة من نصوص أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون تقيد بمذهب معين شرط أن يكون على علم بدرجات صحة الحديث وعلله مع علم بأصول الفقه والناسخ والمنسوخ وأساليب اللغة العربية . ولقد ورد عن أئمة المذاهب الفقهية أنهم قالوا إن صح الحديث لديهم أخذوا به. وعلى من يأخذ الأحكام من الحديث مباشرة أن لا يتعصب لأستنباطه لأن من خالفه من أئمة المذاهب ربما كانت حجتهم قوية وراجحة ، فكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم.
ـ 28 ـ الإستشارة والإستخارة
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الإستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول: ” إذا هَمّ أحدُكُم بالأمرِ فلِيَركَع رَكعَتينِ مِن غيرِ الفَريضة ثُمّ ليَقُل: اللّهُمَ إنّي أستَخيرُكَ بِعِلمِكَ وأستَقدِرُكَ بِقُدرَتِكَ وأسألُكَ مِن فَضلِكَ العَظيم فإنّكَ تَقدِرُ ولاأقدِرُ وتَعلَمُ ولا أعلَمُ وأنتَ علاّمُ الغُيوبِ ، اللّهم إن كُنتَ تَعلَمُ أنّ هذا الأمرَ خير لي في ديني وَمَعاشي وعاقِبَة أمري (أو قال عاجِلِ أمري وآجِلِهِ) فاقدِرهُ لي ويَسِّرهُ لي ثُمّ بارِك لي فيهِ وإن كُنتَ تَعلَمُ أنّ هذا الأمرَ شَرّ لي في ديني وَمَعاشي وعاقِبَةَ أمري (أو قال عاجِلَ أمري وآجِلِهِ) فاصرِفهُ عَني واصرِفني عَنهُ واقدِر لي الخيرَ حيثُ كانَ ثُمّ رَضِّني به ، ثم قال " ويُسَمّي حاجَتَهُ ”
(رواه البخاري)
إذا مر بالإنسان أمر من أمور دينه سأل أهل العلم ، وإن أشكل عليه أمر من أمور دنياه إستشار من يثق به عقلا وعلما ونصيحة ، فما ندم من إستشار وأمر الله تعالى بالمشورة حتى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان ينزل عليه الوحي فقال: ” وشاورهُم في الأمرِ فإذا عَزَمتَ فَتوَكَّل على اللّهِ ” (45) ، وحث المؤمنين على المشورة: ” وأمرُهم شورى بينَهُم ” ـ(46). ومن إستنصحه أخاه فلينصحه وليشر عليه أفضل ما يصل إليه جهده فالمشورة أمانة ومن قصّر فيها فقد خان الأمانة . ولكن مع كل جهد الإنسان وما يسمع من مشورة ، قد يصل إلى حالات من عدم التأكد في أي الأمور أفضل له ، لأنه لا يعلم ما يخبؤه المستقبل الذي علمه عند الله تعالى ، وهنا تكون الإستخارة.
فالإستخارة تحكيم عملي من المؤمن للشرع في ما ليس بإمكانه التأكد منه من أموره والدعاء من الله تعالى بالتسديد والهداية للأفضل في الدنيا والآخرة ثم بعد ذلك التوكل على الله فيما تؤول إليه النتائج بحيث لا يلوم نفسه ولا غيره فيما يقرر فينعم بعد ذلك بالرضى عن النتائج حتى ولو كانت النتائج مكروهة إلى نفسه: ” وعسى أن تَكرهوا شيئا وهو خير لَكُم وعَسى أن تُحِبّوا شيئا وهو شَرّ لَكُم واللّهُ يَعلَمُ وأنتُم لا تَعلَمونَ ” (47).ـ
فالمؤمن كلما مر عليه أمر ذي بال يريد أن يقرر فيه ، يصلي ركعتي الإستخارة ويدعو بهذا الدعاء ، وبعد ذلك يرضى عن النتائج ويعتقد أن فيها الخير طالما قد دعى الله تعالى وهو موقن بالإجابة بأن ييسر له الأمر الذي فيه الخير ويرَضيه به.
ـ1ـ سورة الحجر الآية 9.
ـ2ـ سورة آل عمران الآية 31.
ـ3ـ سورة النساء الآية 115.
ـ4ـ سورة النساء الآية 65.
ـ5ـ رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح من حديث العرباض بن سارية.
ـ6ـ سورة يوسف الآية 76.
ـ7ـ رواه إبن ماجه.
ـ8ـ سورة المائدة الآية 2.
ـ9ـ حديث: ” صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ” عن إبن عمر ، متفق عليه.
ـ10ـ رواه الترمذي عن إبن عباس.
ـ11ـ سورة يوسف الآية 103.
ـ12ـ حديث ” إنّ أمتي لا تجتمعُ على ضلالة ” رواه إبن ماجه.
ـ13ـ سورة النساء الآية 59.
ـ14ـ سورة النساء الآية 115.
ـ15ـ سورة لقمان الآية 15.
ـ16ـ سورة الأعراف الآيتان 38 و 39.
ـ17ـ سورة البقرة الآية 286.
ـ18ـ سورة طه الآية 115.
ـ19ـ سورة الأعراف الآية 201.
ـ20ـ رواه الترمذي وأحمد والحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
ـ21ـ سورة النحل الآية 106.
ـ22ـ سورة آل عمران الآية 28.
ـ23ـ رواه الحاكم عن جابر بن عبدالله وصححه.
ـ24ـ سورة الحج الآية 78.
ـ25ـ حديث ” ما خُيِّر بين أمرين إلاّ إختار أيسَرَهما ما لم يكُن إثما ” رواه البخاري.
ـ26ـ حديث ” رحم الله عبدا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ” رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه.
ـ27ـ سورة الجمعة الآية 5.
ـ28ـ سورة الفاتحة الآيات 6-7.
ـ29ـ رواه مسلم.
ـ30ـ سيرة إبن هشام.
ـ31ـ سورة المائدة الآية 3.
ـ32ـ كتاب الموافقات في أصول الشريعة للإمام الشاطبي.
ـ33ـ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ولد سنة 384هـ ، وتتلمذ على يد الحاكم ، ألف في فقه الشافعي وهو صاحب الكتاب الضخم ـالسننـ في عشر مجلدات في الأحاديث النبوية . توفي سنة 458هـ.
ـ34ـ حديث: ” أنا أحق بموسى منكم ” رواه البخاري عن إبن عباس رضي الله عنهما.
ـ35ـ سورة التين الآية 4: ” لقَد خَلقنا الإنسانَ في أحسَنِ تَقويم ”
ـ36ـ سورة السجدة الآية 7: ” الذي أحسَنَ كُلّ شيء خَلَقَهُ وبَدأ خَلقَ الإنسانِ من طين ” .
ـ37ـ راجع الحديث ـ11ـ وشرحه.
ـ38ـ سورة الذاريات الآية 56.
ـ39ـ سورة الحجر الآية 99.
ـ40ـ حديث: " إني لأمزح ولا أقول إلاّ حقا " رواه الطبراني عن إبن عمر رضي الله عنهما.
ـ41ـ سورة النساء الآية 103.
ـ42ـ سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي العمل أحب إلى الله قال: ” الحالّ المرتَحل ” ، قيل وما الحال المرتحل؟ قال: ” ألّذي يضرِبُ مِن أوّل القُرآنِ كُلَّما حَلّ ارتَحَلَ ” رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
ـ43ـ سورة هود الآيتان 118 و 119.
ـ44ـ سورة آل عمران الآية 105.
ـ45ـ سورة آل عمران الآية 159.
ـ46ـ سورة الشورى الآية 38.
ـ47ـ سورة البقرة الآية 216.